ارتجت الأرض مرة أخرى بعنف، في تلك المنطقة الجبلية جنوب "مصر" وانهارت مع الارتجاج مجموعة صخور جبلية أخرى، وابتلعها الشق المتسع دون صوت، وكأنما ذابت في أعماقة، أو تفتتت إلى قطع صغيرة، مع دخانه الأحمر الرهيب، الذي يتألق بذلك الضوء البرتقالي المنبعث من أعماق الشق، ليصنع صورة أشبة بالجحيم، جعلت الضابط المسئول يهتف:
- سيرسلون فريقاً أكثر تطوراً.
زفر الدكتور "جمال"، مغمغماً:
- لن يكون هناك وقت لهذا:
تجاهل الضابط العبارة، وهو يواصل:
- فريق من رجال الصاعقة سيجازف بالغوص في الشق، لجمع كل المعلومات الممكنة عن أعماقه، و...
قاطعه الدكتور "جمال" هذه المرة، هاتفاً في ارتياع:
- بالغوص في ماذا؟! ألا تفهم ما يحدث هنا يا رجل؟! ذلك الشق أشبه بحفرة من حفر النار، تلتهم وبلا رحمة كل من يقترب منها، فما بالك بمن يغوص فيها.
قال الضابط في صرامة شديدة:
لابد أن نعرف.
هتف الدكتور "جمال":
- ألا توجد وسيلة لذلك، سوى التضحية بفريق من خيرة شبابنا؟!
صاح الضابط:
- إنهم جنود... ومهمتهم حماية هذا الوطن، والدفاع عنه، مهما كان الثمن... هل تفهم أيها الجيولوجي؟! مهما كان الثمن...
تراجع الدكتور "جمال"، أمام هذه الثورة العارمة، وازدرد لعابه في صعوبة وهو يغمغم:
- ولكن ما سيفعلونه هو نوع من الانتحار.
صمت الضابط بضع لحظات، وارتجفت شفتاه، وكأنما يحاول السيطرة على انفعالاته، قبل أن يقول في حزم:
- وهم انتحاريون.
وازدرد لعابه، قبل أن يضيف بحزم أكبر:
- وهذا واجبهم.
ولم يكد يتم كلمته، حتى سمعا الهليكوبتر الحربية، التي حجبها الظلام المحيط بالمنطقة، والتي لم تلبث أن ظهرت فجأة، وهي تعبر فوق رأسيهما، ورءوس المحيطين بالمكان متجهة نحو الشق مباشرة، والذي يبعد عن الجميع مائة متر تقريباً...
وبحركة ماهرة سريعة، انخفضت الهليكوبتر وخففت من سرعتها على نحو ملحوظ، ودون أن تتوقف، راح رجال الصاعقة يثبون منها إلى الأرض، بكامل عدتهم وأسلحتهم، وانتشروا يحيطون بالشق في سرعة على نحو يوحي بأنهم يعرفون مهمتهم جيداً، وتدربوا عليها طويلاً...
وما أن اكتمل عددهم، حتى ارتفعت الهليكوبتر مرة أخرى، واستعادت سرعتها، وراحت تدور حول المكان وكأنما يراقب من بداخلها الأحداث...
وحبس الدكتور "جمال" أنفاسه، وهو يراقب ما يحدث في انبهار متوتر...
وبدون كلمة واحدة، وبإشارات سريعة حازمة أحاط رجال الصاعقة بالشق، ثم اتجهوا نحوه في حزم وصلابة، يوحيان بقلوب صلبة باسلة، لا تعرف للخوف سبيلاً...
وبكل القوة راحوا يقتربون..
يقتربون..
يقتربون..
ومع كل خطوة، كان قلب الدكتور "جمال" ينتفض في صدره، وشعوره بالخوف والذعر يتضاعف..
ويتضاعف
ويتضاعف
وفجأة، وثب قلبه بين ضلوعه، وهو يطلق صرخه رعب قوية..
فبلا مقدمات، وبحركة مباغتة رهيبة، انقسم الدخان الدموي إلى عشرات الأجسام، الشبيهة بأذرع الأخطبوط التفت كل منها حول أحد رجال الصاعقة البواسل، في سرعة مذهلة، وجذبه إلى الشق..
إلى قلب الجحيم البرتقالي الرهيب...
وانطلقت من حلوق الرجال صرخة دهشة وانزعاج صرخة استغرقت ثواني معدودة...
ثم تلاشت هناك...
في أعماق الشق...
ومع تلاشيها ارتجت الأرض كلها مرة أخرى..
ثم انطلق الشق يتسع في سرعة رهيبة...
ويتسع...
ويتسع...